مجلة مدينة حمد الاسبوعيه

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

رئيس التحرير جعفر الخابوري

المواضيع الأخيرة

التبادل الاعلاني


    اقلا م حره..........

    جعفر الخابوري
    جعفر الخابوري
    المراقب العام


    المساهمات : 297
    تاريخ التسجيل : 17/12/2010

    اقلا م حره.......... Empty اقلا م حره..........

    مُساهمة  جعفر الخابوري الجمعة سبتمبر 13, 2013 1:32 pm

    باختصار

    المحور المقابل

    مع أن العدوان على سوريا قد تراجع عند البعض، والبعض الآخر يرى تلاشيه تماما، إلا أن الحذر عند رأي ثالث هو السائد. ومهما يكن، فإن الأيام الماضية التي علت فيها نظرية العدوان وتحولت إلى حقيقة وتحدد لها ساعات وأيام، لم تكن مجرد استعدادات عسكرية بحتة، بقدر ما كانت أيضا فرصة لاكتشاف حقائق جديدة تحولت اليوم إلى واقع معلن وظاهر، ولسوف يعتمد عليه كثيرا في المراحل المقبلة.
    فهو تبدل وتغير في الشأن السياسي العالمي .. ولعل زيادة عدد البوارج العسكرية الروسية في البحر المتوسط يؤكد أن القلق من المرحلة المقبلة أو من تداعيات أزمة سوريا، باتت تحتاج إلى الحيطة والحذر، بل والاستعداد، ولهذا السبب، ذهب الروس إلى حد تكثيف قواهم في البحر المتوسط الذي قيل دائما إنه تحول إلى بحر روسي، فإذا به فعليا صورة عن واقع الحالة في منطقة الشرق الأوسط التي يعرف الرئيس الروسي بوتين تمام المعرفة أنه يخرق عرفا قائما منذ سنين بأن هذه المساحة المائية حكرا على الغرب والولايات المتحدة، فإذا بالأزمة الأخيرة تفعل فعلها المعاكس لتجعلها بحرا روسيا بكل معنى الكلمة. وهذا تأكيد على عمق ما يراه الروس للمرحلة المقبلة، إذ ما زال لديهم التخوف الذي لم يتم تنفيسه، خصوصا وأن بوتين عبر عنه بقوله "إن سوريا لن تسلم أسلحتها الكيميائية إلا بعد إنهاء الضربة نهائيا"، بل إن بوتين الذي زادت شعبيته كثيرا إثر تلك الأزمة، أكد للأميركي "أن سوريا بالنسبة لنا اليوم هي تماما كإسرائيل بالنسبة إليكم".
    إذن فتحت تصورات العدوان على سوريا الباب إلى ظهور روسي يخفي ثياب الميدان، فيما ظهر على الملأ وجه إيراني مموه وبلباس الميدان مستعد لمعركة في أية لحظة قال عنها المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي "إن من يريد تدمير سوريا عليه توقع خسارة النفط والغاز في هذه المنطقة"، وأما حزب الله فقد نشر علنا هذا النوع من الثياب في عيون الغرب والأميركي وقبلها أمام الإسرائيليين الذين عاشوا أكثر أيامهم خوفا وهلعا في مواجهة أزمة يعلمون أنها ستصيبهم في الصميم، بل لعل ما نقل من معلومة عن أحد قياديي حزب الله، من أنه ينتظر المعركة بفارغ الصبر، بل وسيكون من أسعد الناس إن هي تحققت.
    هدأت المعركة ـ كما الاعتقاد المتداول ـ لكنها تركت وراءها وما زالت صورة جديدة لواقع جديد لا بد من الاعتراف به، كما لا بد أن يكون الشغل الشاغل للأميركي الذي وضع يده عليه وقرأه بكل تفاصيله وخرج منه بكل المغازي والإيحاءات.
    صار هنالك جهة لها كيانها معارضة للأميركي، وهي إن لم تشكل محورا متفقا عليه، فقد صار محورا مؤثرا بكل أبعاده السياسية والنفسية والإيحائية. وهذا المحور لا يناصب العداء للولايات المتحدة ولإسرائيل ولبعض الغرب المنساق بسرعة الضوء وراء أميركا مثل فرنسا، فإنه يشير بوضوح إلى مواطن الضعف الذي قد يتأذى منه لمحور الأميركي في المستقبل .. خصوصا وأنه ثبت بما لا يدع مجالا للشك، أنه ما زال يضع على أجندته العسكرية مخططا لتحطيم سوريا على دفعات، ليس فقط لإعادتها عشرات السنوات إلى الوراء، بل لإخراج أحد أبرز وجوهها بشار الأسد من سوريا.

    زهير ماجد

    أعلى





    استحالات إقليم الجغرافيا المقدسة

    لم يعد الشرق الأوسط "إقليم الكتاب المقدس" Bible land الذي شد العبقريات والرومانسيات الغربية طوال قرون في ديدنها تتبع خرائط "الجغرافيات المقدسة" Sacred Geography التي يقص كل موضع فيها قصة الأنبياء والرسل والقديسين، وإنما غدا الإقليم هوّة سحيقة تمور بالنيران والحرائق. وقد دلت سلوكيات العالم الغربي حيال الأزمة السورية الساخنة على تلك الخشية من اللعب بنار الشرق الأوسط أو الاقتراب من حافة فوهتة السحيقة.
    هذا التحول في التداول الغربي لـ"نص" الشرق الأوسط مهم للغاية بالنسبة لمؤرخي الأفكار، إذ "غادر الشعراء من متردم" ولم يعد المكان إلا قرينًا بالحرائق والحروب الأهلية والنزاعات الحدودية والخصومات والضغائن الطائفية. إنها لحال مؤسفة حقًّا، إذ لم يستغرق هذا التحول النوعي زمنًا طويلًا: فقد عاش آباؤنا وأجدادنا المباشرون في شرق أوسط طبيعي، فما فتئ الأحياء منهم يستذكرون مدنه الهادئة وأريافه الجميلة المعطاء والغزيرة بالإنتاج؛ أما نحن فقد فتحنا أعيننا على الأزمات والاحتقانات والحروب، من العدوان الثلاثي 1956 إلى حرب 2006 في لبنان، مرورًا بجميع الحروب العربية ـ الإسرائيلية، وعانينا المزيد بالحرب العراقية الإيرانية، ولم تزل سوريا الشقيقة تتوعدها بالويل والثبور.
    لم يكن يخطر ببال آبائنا أنهم سيتركون لأبنائهم إرثًا مضطربًا وكينونات محترقة أو على وشك الاحتراق! إنها لحال مؤسفة ومخيفة بحق. ولا يدري المرء ماذا يفعل كي يترك لأبنائه إرثًا يساوي آماله أو يوازي الأجواء الطبيعية التي عاشها السابقون: إذ ذهبوا إلى المدارس دون إشكالات ولا احتقانات وتاجروا وعملوا دون مشاكل ومخاوف من القصف والحرب. أما نحن فقد ورثنا إرث المصالح الامبراطورية الأوروبية التي قسمتنا وجعلتنا "شعوبًا وقبائل" لا تلتوي. بل إن العالم الغربي القوي، الصناعي والغني لم يعد يريد من شرقنا هذا شيئًا من القصص التوراتي أو الإنجيلي؛ فقد قلصنا إلى قيمة "بترولية" قابلة للتداول والمناورة والمساومة. هو لا يريد منا سوى التطمين على بقاء ضخ البترول دون انقطاع. إذًا هذا هو دور شعوبنا المحجمة في "المجتمع الدولي" وفي مسيرة الحضارة الآدمية اليوم، أما البقية الجميلة من تراثنا وتاريخنا، فهي بقايا طللية متاحة طي الكتب والتواريخ والمتاحف. وهذا كافٍ بالنسبة للعالم الغربي الذي يخصنا بنظرة دونية ملؤها الشك والحذر والعدائية.



    أ.د. محمد الدعمي كاتب وباحث أكاديمي عراقي



    أعلى




    الديمقراطية لمن وكيف؟!

    قضيتان هامتان في سؤالين كبيرين، بدأ اندياح دوائرهما يمتدّ وإلحاحهما يشتد، بعد أن انتفخت أوداج باللجوء إلى العنف الدامي والتدمير الشامل وصولًا للإنصاف الذي يتسربل بالسراب؟! واحمرت أنوف وأعراف وهي تنادي باستباحة دم من يلجأ إلى العنف في مجتمعه ويهدد الديمقراطية والتعددية والناس.. وكانت النتيجة تزييف الديمقراطية وقتل الناس.
    ويزداد ارتفاع حرارة كل من المناخين المتناقضين في بعض الساحات العربية، ويوغل كل فريق من الفريقين في الخصومة ولددها، ويرتفع في فضاء الوطن، باسم ذلك كله، سيف وينفتح وريدًا، فيمتزج الدم والحقد وتتدحرج منهما كرة تكبر كتلتها كلما ازداد تدحرجها، فتلوث الساحة العربية، وتلطخ الأحياء والقرى، في أكثر أقطار الوطن العربي كثافة سكانًا، تلوثها بالدم والقار والعار.
    إذ.. من يقتل من؟! وفي أي زمن ولأي غرض، وفي ظلال أية أوضاع، وأية سياسات، وأي دين وأي خلق وأية قيم يمكن أن تسمح بذلك؟!.. من يقتل من والمخططات الغربية ـ الصهيونية سافرات تتقدم وتنتصر، وعار الكارثة في أكثر من بلد عربي لا يزال يندلق قروحًا وحروقًا وصديدًا ومهلًا، ويتبدى في وجوه وقلوب وأنفس وضمائر، وسخامه يعرّش في سمائنا ويتشمرخ في ساحاتنا، وينشر ظلامه وآلامه فوق شعبنا؟!
    من يقتل من .. ولأي غرض..؟ وفي أي زمن؟! لقد اتضح الجواب لمن كانوا يشككون بكل شيء حتى في المعطيات المحسوسة والأدلة الملموسة، الحرب باسم الديمقراطية والإصلاح، وأزهار "الربيع العربي" الملون بالدم والفوضى، كانت لمصلحة إسرائيل، ولتمرير حل لقضية فلسطين على حساب العدل والفلسطينيين والعرب، والمقاومة يراد لها أن تدمر، وأن ينتهي دور سوريا مهما كانت خياراتها وتوجهاتها وأسس الدولة التي تقيمها..؟! إسرائيل تنتصر، و"إسرائيل" تعربد من شمال ما احتلته من أرضنا إلى جنوبه، ومن دار سياسية عربية إلى أخرى، فتزوبع الدم والأزمات والفوضى والسياسات المريضة، وتعيد جمعها في نسق جديد، بمساعدة الولايات المتحدة الأميركية التي تسخر كل ما لديها لخدمة هذه الدولة المسخ وعنصريتها واحتلالها وإرهابها الممنهج، وتمهد لوجودها "الشرعي" القهار، ولاستمرارها قوتها النووية وجعلها نافذة الرأي والقرار في هذه الديار .. بإضعاف سواها من دول العرب المعنية بالشأن الفلسطيني وسلبها مقومات قوتها وأمنها وأسلحتها الاستراتيجية .. وها هي سوريا تفعل ما يريدون في هذا المجال ردًّا للشر والدمار وحقنًا لأرواح سوريين مهددة بالعدوان الأميركي والتحالف الذي يقف وراءه.. ها هي سوريا تقف بالصف بعد العراق وليبيا معلنة وضع أسلحتها النووية تحت الرقابة الدولية وقيد التدمير، منضمة إلى معاهدة منع هذه الأسلحة في حين تبقى إسرائيل نووية وغير منضمة للوكالة الدولية للطاقة النووية، وتلاحق غيرها بفجور لا مثيل له متهمة ومهددة ومتوعدة، تحت غطاء غربي كثيف وحماية تجعلها فوق القانون، وتساندها في رفض أن تكون منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.
    لقد اتضح اليوم من يقتل من في سوريا؟! ولأي غرض .. وفي أي زمن؟! ومن يريد لنا كلنا كلنا في سلة الامبريالية الأميركية القادمة إلينا في حلة حقد أسود متجدد، وفي جوع يشتد لتنفيذ استراتيجية لم تعد خافية على أحد، ولتحقيق أهداف منها جعل الأنموذج الثقافي والسلوك الأميركي والقيم الأميركية تسود عالمًا تسوطه هي بقوتها وغطرستها؟!
    من يقتل من؟!.. ولأي غرض.. وتحت أية ذريعة؟!. سؤال استقامت الأجوبة عليه، ولن ينتج عن ذلك إلا أن تدور عجلة الحقد والدم داخل كل قطر عربي، ثم عربيًّا ـ عربيًّا، ثم عربيًّا ـ إسلاميًّا، ليصبح المناخ الذي يريده الغرب وتريده الصهيونية مهيأً لفتكة كبرى بالأمتين العربية والإسلامية، تصنعها أكثر ما تصنعها أيدي أهلها، وينفذ الغرب من خلالهم أهدافه وسياساته وأحقاده.
    ـ فيستنزف المال ليحل ضائقاته الاقتصادية ومشكلاته الاجتماعية ويشغل مصانعه الكبرى.
    ـ ويسيطر على الطاقة النفطية والثروات الطبيعية ليستمر في برامجه العلمية ومشاريعه الصناعية المتقدمة، وصناعاته العسكرية، وتقدمه التقني، وتطوير أسلحة الدمار الشامل التي يرعب العالم بها وبسببها.
    ـ ويخرب الثقافة والشخصية والقيم الأخلاقية في هذه المنطقة، ليسود أنموذجه، وليصل إلى ما وعد بتحقيقه في هذا القرن "انهيار العروبة والإسلام".
    ـ وينشئ مجتمع الألف دولة والألف خوف والألف حقد، والألف حرب، في ديار العرب والمسلمين، حتى لا تقوم لهم قائمة أبدًا، وحتى تقام "إسرائيل التوراتية" دولة يهودية تهود فلسطين وتسيطر على المنطقة.
    من يقتل من.. ولأي غرض .. وفي أي زمن .. وتحت أية ظروف في سوريا التي أشبعت دمًا ودمارًا؟!.. كلنا يعرف الآن، ومن يتنكر لحقيقة المعرفة لا يريد أن يرى الشمس في رأد الضحى.. كلنا يراد لنا أن نكون خراف إبراهيم في عيد الأعياد المباركة.. وكل خروف يثغو وينتظر دوره أمام سكين الجزار التي تلمع أمام عينيه.. ولكن لا يمكن للأمم والشعوب الحية أن تموت.. صحيح أن الأحلام العدوانية لا يمكن أن تتحقق كلها كما نتصورها ونتوهم تحققها، ولكن المدهش المؤلم في آن معًا، أننا نحن نتمثل قوة فريدة التحرك والانضباط تحقيق أحلام أعدائنا، بتسخير قوانا لتفتيت قوانا ولإضعاف كياننا كله .. نتحارب باسم الديمقراطية والإصلاح والحرية والحقوق العامة ولجم الاستبداد والطغيان والفساد .. ولا تلبث أن نجد أنفسنا على ضفاف الفتن يستهدفنا عدونا لضعفنا فيفزع إليه من يستنصره على أهله وأخيه، فنخسر ويربح، ولا نلبث أن نكتشف أنه كان وراء كل ذلك الحمق الأعمى حتى نال ما يريد بسواعدنا.. وبقيت كل الشعارات شعارات لأننا لم نغرف أصلًا كيف يصل الإنسان تحت سقف الوطن والقانون إلى إصلاح ما ينبغي إصلاحه وإلى تحقيق مساواة اجتماعية ومواطَنة سليمة وصالحة.
    نحن نسأل اليوم: الديمقراطية لمن؟!. والديمقراطية كيف؟! وكل مقاربات الأجوبة تريد أن يبقى السؤال والجواب لغزًا، وأن تعم فوضى المعايير والأحكام ليولد من بعد ذلك نظام على أنقاض البلد والشعب؟!
    الديمقراطية لمن؟ والديمقراطية كيف؟ هل يمكن أن نطرح السؤال ونلتمس الجواب على بساط سداه التمييز ولحمته المخاتلة، وفي هذا الزمن العربي الرديء، بعد أن انهار الأنموذج الذي كان يجاهر بصلف قائلًا: "الديمقراطية لي وحدي وليست لأعدائي.. أعداء الشعوب؟!
    وبعد أن اتضح أنه كان عدوًّا للديمقراطية وللشعب ولنفسه ولما تريده القوميات ـ الشعوب، مال إلى تعويم ذاته وشعاراته ودخل سوق الكلام والتجارة بكل شيء؟!
    بكل البساطة الممكنة: الديمقراطية للجميع، في إطار التعددية الفكرية والحزبية. والديمقراطية: حرية ومساواة في قَرَن واحد، لجميع الناس أمام القانون وتحت سقف الوطن، وليس لأحد أن يجرد أحدًا من وطنيته أو إخلاصه أو حقوقه أو من دينه بذريعة ما يتوهم غريمه أنه سيكون عليه، أو بحجة أنه لن يتيح له ممارسة الديمقراطية إذا ما وصل إلى الحكم، أو بحجة أنه غير مؤتمن على الوطن والعقيدة والثقافة والناس، وهو جزء من الوطن والعقيدة والناس؟! ولا يمكن أن تنمو ديمقراطية سليمة في الأقطار التي تسعى إلى ذلك من دون قيام ديمقراطية دولية تحترم الدول القوية القوانين التي تحمي الدول، وتضع مبدأ السيادة فوق منطق الاغتيال.
    الديمقراطية للجميع إذن، الديمقراطية للوطن. والديمقراطية للعالم، تصقلها الممارسة وينضجها الوعي، ويصلح مسارها الاستسلام المطلق لصحة اختيارها كمسار للحكم ولسوس الناس.
    لقد آن الأوان تماما لتسقط أقنعة كثيرة، وترفع ستر عن وجوه وشعارات وممارسات في الوطن العربي، فليس لدى الأمة ما تضيعه أكثر مما ضيعته، وليس لأبنائها أن يضيعوها في لعبة الضياع المفروضة عليهم أو لعبة التضييع التي يقودهم إليها بعض أبناء الأمة، سواء أكانوا واعين منتمين أم مندفعين تأخذهم الحماسة من شعورهم وتدفعهم إلى التهلكة.
    إن العنف والعنف المضاد داخل وطن وبين أبناء أمة للوصول إلى السلطة، تحت اسم الحق أو الديمقراطية أو التطهير والتطهر، هما طريقان موحلان، مفروشان بالدم والنار والعار والقار، ولن يؤثلا مجدًا، ولن يصنعا قوة، ولن يؤسسا لوطن عزيز كريم. وآن لأبناء أمتنا أن يوقفوا استخدام العنف ضد بعضهم بعضًا ليحكموا العقل والضمير والشرائع والتشريعات، وليأخذوا برأي الناس ـ الأكثرية الصامتة المحروقة المحرومة من الكلام ـ لتكون هناك طريق أكثر سلامة وأمانًا، توصل الأمة إلى الصحة والعافية والقوة والتقدم والكرامة.
    إن العدو يتربص بنا، ولم ينته التهديد الأميركي ـ الإسرائيلي لسوريا بعد، والآتي من المرارات والشدائد أعظم، وعلى الذين يصعّدون موجات العنف أن يتوقفوا بعد الذي كان، فقد خسر الجميع وربحت إسرائيل وإسرائيل وحدها، وما زال هناك من يركبون رؤوسهم ويريدون مزيدًا من البطش بالشعب والدولة.. فالله.. الله في أنفسنا وأوطاننا وقيمنا ومجتمعاتنا وديننا وثقافتنا وصِلاتنا ومستقبل أجيالنا.. وليكن وعي مرشد وحكمة منقذة وتضحية حقيقية من أجل سوريا التي تستحق من أبنائها الكثير الكثير.



    علي عقلة عرسان كاتب وأديب سوري

    أعلى





    فاتحة تفاوض

    المقترح الروسي لمنع عدوان "الضربة" المزمع على سوريا من شأنه ـ حتى الآن ـ أن فلَّ عدوانًا مبيَّتًا، وألقى بحبل نجاة لإخراج أوباما المحارب من ورطة خطة الأحمر. لكنه ما زال فاتحة لتفاوض، ومبادرة لم تنضج بعد بكامل تفاصيلها أو تتبدى حدودها، أبعدت، أو أجَّلت، أو أعاقت هذا الفصل من العدوان، حين سحبت ذريعته وأربكت متذرِّعها ... متذرِّعها المربك الذي سعى إلى حبل نجاتها وكان قد فاوض الروس من تحت الطاولة عليها. هناك من استعجل فانشغل بحسابات الربح والخسارة ولم ينتظر نتائجها التي وحدها من سيقول لنا ما ربح وما خسارة كل من طرفيها، وهما، في كل الأحوال، ما لن تحددهما إلا حسابات موازين القوى على الأرض، وليس قعقعة آلة حرب المعتدين، وجارٍ استعراضات القوة الغاشمة التي تعلو على ضجيجها المتوعِّد جعجعة أباطيلهم ومزاعمهم.
    ولأنها فاتحة تفاوض لا بد منه، وكل يسعى من زاويته وبطريقته إليه، أو هو سيجد نفسه في نهاية المطاف مضطرا لنشدانه، كان هذا هو جوهر هذه المبادرة الروسية، الهادفة أصلًا لكف أذى العدوان الأميركي على سوريا، أو فل آخر تجلياته التي تتهددها، ولهذا أيضًا يقول الرئيس الروسي: "إن تخلي سوريا عن سلاحها الكيميائي يكتسب مغزًى فعليًّا فقط عند تخلي أميركا عن استخدام القوة"، بمعنى أن التخلي عن الكيميائي يقابله التخلي عن العدوان، ويزيد فيوضح "إن من الصعب إجبار سوريا، أو بلد آخر، على نزع سلاحه في شكل أحادي الجانب، إذا كان ثمة عمل عسكري قيد التحضير له ضد هذا البلد". وعليه، لكي تتخلى سوريا عن سلاحها الكيميائي يتحتم أن "يتخلى الجانب الأميركي، وجميع من يدعمونه عن اللجوء للقوة". أوليس لهذا يؤكد الرئيس الأسد لاحقًا أن سوريا لن تلتزم بالمبادرة الروسية ما لم توقف أميركا تهديداتها وتوقف تسليحها للمعارضة ... هنا الضمانات مستوجبة، فالأميركان كذبة لا يَصْدقون، كما لا بد وأن تغدو مسألة طرح ترسانة الكيان الصهيوني للدمار الشامل، الزاخرة نوويًّا وكيميائيًّا وبيولوجيًّا، هي أيضًا تحت طائلة البحث ...
    ... والمبادرة الروسية ما كان لها أن تفعل فعلها في معسكر الغرب العدواني، وأن يلهث العالم متتبعًا تداعيات طرحها متنبئًا لمآلاتها، إلا استنادًا إلى عوامل كشفت الأزمة عنها، وفي مقدمتها بلوغ التحولات الكونية مبلغًا لم تعد معه الأمم المتحدة مؤسسةً ملحقةً بوزارة الخارجية الأميركية، وما عاد بمستطاع بان كي مون أن يبدو كناطق باسم هذه الوزارة. مصير المشروع الفرنسي، النام عن رعونة وخفة، والموءود قبل وصوله إلى مجلس الأمن، خير دليل على ذلك... انتهى زمن بلطجة آحادية القطبية وأتت بدايات زمن تعددها، وتغيرت قواعد الاشتباك بين شرق بوتين وغرب أوباما، وها هي الحرب الباردة، بل وما بين الباردة والساخنة، ومعترك صنوف الحروب الدبلوماسية، على أشدها.
    هذه المبادرة لم تدفع المحارب أوباما لأن يطلب من الكونجرس تأجيل تصويته على قرار منحه التفويض بشن عدوانه على سوريا، إلا لأنها، كما أسلفنا، قد وفَّرت للغارق في ورطة خطه الأحمر طوق نجاة ... لقد حاول عبثًا تحشيد الرأي العام الأميركي الرافض لتكرار حروب إداراته خلف عدوانه فلم يفلح. لم تجد تقارير استخباراته المنقولة في أغلبها عن شبكات التواصل الاجتماعي في إقناع العالم بأكاذيبها الكيميائية، فاستعاض عنها بتهويل لتغطية تراجع، وألحقه تطبيلًا بأن المقترح الروسي والقبول السوري به ناجم عن تهويله ووعيده، في حين كان العالم كله يعرف أن المبادرة الروسية هي منتج لمباحثات روسية ـ أميركية سبقت، كانت تجري تحت الطاولة، وكانت فوقها في قمة عشرين سانت بطرسبورغ، أو على هوامشها، وكانت مادةً للقاءات واتصالات كيري ـ لافروف المتعددة. لقد كانت مناقشاتها المكتومة تمضي في ظل وابل من ذاك الضجيج، والآن جارٍ هذا التطبيل، وما كانت لتمضي إلا لكونها توفِّر للمغامر مخرجًا، وللمعتدى عليهم إيقاف عدوان ... لقد فعلت فعلها لأنها مخرج من أزمة، والأهم أنها قد كشفت عن قوة تحالف امتد من موسكو إلى بكين مارًّا بطهران فدمشق وحتى الضاحية الجنوبية ببيروت. هذا المحور الذي أدار اللعبة بذكاء فل الحدة العدوانية وأربك المعتدين، كما ويكشف عن تصاعد للدور الروسي مؤداه التحالف لا مجرد دواعي اعتراض على تهديد مصالح، أو يأتي في سياق مستوجبات استراتيجية فحسب، كما يقول لنا بأن التوازنات المستجدة قد بدأت تفعل فعلها كونيًّا، وإن بلادنا قد عادت ساحةً لمواجهاتها.
    ... ولأنها فاتحة تفاوض فحسب، ولكون العدوان الأميركي على سوريا، وعلى الأمة العربية، فعلا قائما ومستمرا، قبل "الضربة" المهدد بها وبعدها، فإن العدوان "الضربة" يظل هدفًا عدوانيًّا مطروحًا، أي أنها وإن تراجعت احتمالات إقدامهم عليها تظل رهنًا لسياق استراتيجي عدواني لم يزل ... ولأن الكيان الصهيوني، وإن خشي تداعياتها، فهو يريدها وبدونها لم يكتم شعوره بالخسارة.
    ... صمدت سوريا، وستصمد، ومجرد صمودها، في ظل موازين قوة ما زالت مختلة لصالح أعدائها، هو إن لم يكن انتصارا لها، فهو بلا شك سبيلها المعبد إليه ويعادل الهزيمة المؤكدة للمعتدي.


    عبداللطيف مهنا كاتب فلسطيني




      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد مايو 19, 2024 8:42 am